فصل: فَصْلٌ: (في الزواج بدون ولي)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْخِطْبَةِ‏]‏

المتن‏:‏

تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ، لَا تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةٍ، وَلَا تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ، وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَكَذَا لِبَائِنٍ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ‏:‏ الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ النِّكَاحَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ ‏(‏تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ، وَ‏)‏ عَنْ ‏(‏عِدَّةٍ‏)‏ وَكُلِّ مَانِعٍ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ غَيْرُهُ بِالْخِطْبَةِ، وَيُجَابُ تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا كَمَا تَحْرُمُ خِطْبَةُ مَنْكُوحَةٍ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فِيهِمَا‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِجَوَازِ خِطْبَتِهَا مِمَّنْ لَهُ الْعِدَّةُ مَعَ عَدَمِ خُلُوِّهَا عَنْ الْعِدَّةِ، وَمِنْ مَنْطُوقِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، فَلَا يَجُوزُ لِمُطَلِّقِهَا أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَتَعْتَدَّ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْمَخْطُوبَةِ، فَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ حَرُمَ أَنْ يَخْطِبَ خَامِسَةً وَأَنْ يَخْطِبَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏ وَقِيَاسُهُ تَحْرِيمُ خِطْبَةِ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَكَذَا ثَانِيَةُ السَّفِيهِ، وَثَالِثَةُ الْعَبْدِ‏.‏ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ مِنْ الْحَجِّ‏:‏ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الْخِطْبَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِالْحِلِّ يُفْهِمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ‏.‏ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقِيلَ‏:‏ هِيَ كَالنِّكَاحِ؛ إذْ الْوَسَائِلُ كَالْمَقَاصِدِ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ خِطْبَةِ السُّرِّيَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمُسْتَفْرَشَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْرِضْ السَّيِّدُ عَنْهُمَا‏.‏ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَنْكُوحَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ السَّيِّدِ‏.‏ نَعَمْ إنْ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّيِّدُ التَّسَرِّيَ جَازَ التَّعْرِيضُ كَالْبَائِنِ إلَّا إنْ خِيفَ فَسَادُهَا عَلَى مَالِكِهَا، وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَحِلُّ ‏(‏تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةٍ‏)‏ بَائِنًا كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّصْرِيحُ مَا يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ كَأُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَكِ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ نَكَحْتُكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَرُبَّمَا تَكْذِبُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ‏(‏وَلَا‏)‏ يَحِلُّ ‏(‏تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ‏)‏ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ تَكْذِبُ انْتِقَامًا، وَالتَّعْرِيضُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةُ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمَهَا، كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ جَمِيلَةٌ، وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ، وَلَسْتِ بِمَرْغُوبٍ عَنْكِ، وَالتَّعْرِيضُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْضِ الشَّيْءِ، وَهُوَ جَانِبُهُ؛ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ بَعْضَ مَا يُرِيدُهُ، وَفُهِمَ مِنْهُ مَنْعُ التَّصْرِيحِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ‏(‏وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ‏)‏ وَلَوْ حَامِلًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْمُوَاعَدَةُ فِيهَا سِرًّا كَالْخِطْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمْ يُرِدْ بِالسِّرِّ ضِدَّ الْجَهْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِمَاعَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنْشَدُوا‏:‏ الطَّوِيلَ أَلَا زَعَمَتْ بَسَّاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يَشْهَدَ السِّرَّ أَمْثَالِي ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَحِلُّ تَعْرِيضٌ ‏(‏لِبَائِنٍ‏)‏ بِفَسْخٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عَنْهَا، وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا فَأَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا فِيهَا‏.‏ أَمَّا هُوَ فَيَحِلُّ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ‏.‏ وَأَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ فَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْعِدَدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَلْ خِطْبَةُ مَنْ يَمْتَنِعُ نِكَاحُهَا فِي الْحَالِ كَالثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَالْبِكْرِ فَاقِدَةِ الْمُجْبِرِ جَائِزَةٌ أَوْ لَا‏؟‏ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ وَبَحَثَ غَيْرُهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّصْرِيحِ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْخِطْبَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا لِعَدَمِ الْمُجِيبِ، وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْجِمَاعِ لِمَخْطُوبَتِهِ لِقُبْحِهِ، وَقَدْ يَحْرُمُ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنَا قَادِرٌ عَلَى جِمَاعِكِ، أَوْ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ مَنْ يُجَامِعُكِ، وَلَا يُكْرَهُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجَبْ وَلَمْ يُرَدَّ، لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ‏)‏ وَلَوْ بِنَائِبِهِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِهِ‏)‏ مَعَ ظُهُورِ الرِّضَا بِالتَّرْكِ لَا لِرَغْبَةِ حَيَاءٍ وَنَحْوِهِ، لِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ‏}‏، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ‏.‏ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالتَّقَاطُعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا أَمْ لَا، مُحْرِمًا أَوْ لَا، وَذِكْرُ الْأَخِ فِي الْخَبَرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا‏.‏ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، وَإِعْرَاضُ الْمُجِيبِ كَإِعْرَاضِ الْخَاطِبِ، وَكَذَا لَوْ طَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ إجَابَتِهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُعْرِضًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَخْطُوبَةِ، وَسُكُوتُ الْبِكْرِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةَ الْإِذْنِ، وَمِنْ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَتِهِ، وَمِنْهَا مَعَ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ الْخَاطِبُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَمِنْ السُّلْطَانِ إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً بَالِغَةً فَاقِدَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَتْ أَمَةً غَيْرَ مُكَاتَبَةٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً، وَمِنْ السَّيِّدِ مَعَ الْمُكَاتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ الْمُبَعَّضَةِ مَعَ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ، وَمِنْ السَّيِّدِ مَعَ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخِطْبَةِ وَالْإِجَابَةِ وَحُرْمَةِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَأَنْ تَكُونَ الْخِطْبَةُ الْأُولَى جَائِزَةً، فَلَوْ رُدَّ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ أُجِيبَ بِالتَّعْرِيضِ كَلَا رَغْبَةَ عَنْكَ أَوْ بِالتَّصْرِيحِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِهَا أَوْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ أَوْ عَلِمَ كَوْنَهَا بِهِ وَحَصَلَ إعْرَاضٌ مِمَّنْ ذُكِرَ، أَوْ كَانَتْ الْخِطْبَةُ الْأُولَى مُحَرَّمَةً كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهُ، وَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ خَمْسًا وَلَوْ بِالتَّرْتِيبِ وَصُرِّحَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ حَرُمَتْ خِطْبَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَى أَرْبَعَ مِنْهُنَّ أَوْ يَتْرُكَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِي الْخَامِسَةِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَنْ شَاءَ صَحَّ، وَحَلَّ لِكُلِّ أَحَدٍ خِطْبَتُهَا عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ نُصَّ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ‏.‏ قَالَ شَيْخِي‏:‏ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَهَا أَحَدٌ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَعَلَى هَذَا لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذِهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُجَبْ وَلَمْ يُرَدَّ‏)‏ بِأَنْ سُكِتَ عَنْ التَّصْرِيحِ لِلْخَاطِبِ بِإِجَابَةٍ أَوْ رَدٍّ وَالسَّاكِتُ غَيْرُ بِكْرٍ يَكْفِي سُكُوتُهَا أَوْ ذِكْرُ مَا يُشْعِرُ بِالرِّضَا، نَحْوُ‏:‏ لَا رَغْبَةَ عَنْكَ ‏(‏لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ ‏{‏لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ‏}‏ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ أَبَا جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَاهَا، وَخَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ بَعْدَ خِطْبَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَجَابَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَالثَّانِي تَحْرُمُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَقُطِعَ بِالْأَوَّلِ فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ شَيْئًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ نَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ خِطْبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ، فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ الرَّجُلَ وَكَانَتْ الْمُجَابَةُ يُكْمَلُ بِهَا الْعَدَدُ الشَّرْعِيُّ، أَوْ كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَنْ تَخْطِبَهُ امْرَأَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى مَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ هُنَا مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ انْتَفَى مَا مَرَّ جَازَ إذْ جَمْعُهُ بَيْنَ أَرْبَعٍ لَا مَانِعَ مِنْهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ بِصِدْقٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ‏)‏ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَرَادَ الِاجْتِمَاعَ عَلَيْهِ لِنَحْوِ مُعَامَلَةٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَوْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ ‏(‏ذَكَرَ‏)‏ الْمُسْتَشَارُ جَوَازًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَشَارِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إذَا عَلِمَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ وَغَيْرَهُ، وَمِثْلُهُ الْبَقِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّعْبِيرَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ وَمَفْعُولُ ذَكَرَ قَوْلُهُ ‏(‏مَسَاوِئَهُ‏)‏ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عُيُوبُهُ ‏(‏بِصِدْقٍ‏)‏ لِيَحْذَرَ، بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ لَا لِلْإِيذَاءِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَارِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِشَارَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِشَارَةٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ خَيَالٌ، بَلْ النَّصِيحَةُ هُنَا آكَدُ وَأَحَبُّ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْأَمْوَالِ، وَمَحَلُّ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا كَقَوْلِهِ‏:‏ لَا تَصْلُحُ لَكَ مُصَاهَرَتُهُ وَنَحْوِهِ كَلَا تَصْلُحُ مُعَامَلَتُهُ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ ذِكْرُ عُيُوبِهِ، قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا انْدَفَعَ بِذِكْرِ بَعْضِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَالْغِيبَةُ تُبَاحُ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ، وَذَكَرَهَا وَجَمَعَهَا غَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ حَيْثُ قَالَ‏:‏‏:‏ لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ وَالظُّلْمُ تَحْذِيرٌ مُزِيلُ الْمُنْكَرِ أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِذَلِكَ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُوجَدَ لِجَوَازِ ذِكْرِ غَيْرِهِ سَبَبٌ آخَرُ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ‏:‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَتَمْتَنِعُ غِيبَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى زَلَّتِهِ تَسَاهَلُوا فِي ارْتِكَابِ الذَّنْبِ، وَغِيبَةُ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةٌ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْفِيرًا لَهُمْ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ، وَتَرْكًا لِوَفَاءِ الذِّمَّةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مَنْ سَمَّعَ ذِمِّيًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ‏}‏ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ‏.‏ وَمُبَاحَةٌ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَ الْمُشْرِكِينَ‏.‏ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغِيبَةَ، وَهِيَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَلَوْ فِي مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ أَذَكَرَهُ بِلَفْظٍ، أَمْ كِتَابَةٍ، أَمْ إشَارَةٍ بِيَدٍ، أَوْ رَأْسٍ، أَوْ جَفْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ، لَكِنَّهَا تُبَاحُ لِلْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ كَمَا مَرَّ‏.‏ قَالَ الْبَارِزِيّ‏:‏ وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ، إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ عَنْهُ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسَتْرُ نَفْسِهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَوُجُوبُ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعِيدٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكْفِيَهُ قَوْلُهُ أَنَا لَا أَصْلُحُ لَكُمْ، وَسُمِّيَتْ عُيُوبُ الْإِنْسَانِ مَسَاوِئَ؛ لِأَنَّهُ يَسُوءُهُ ذِكْرُهَا، وَالْمُصَنِّفُ سَهَّلَ هَمْزَةُ مَسَاوِئَ بِإِبْدَالِهَا يَاءً، وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ تَرْكَ الْهَمْزَةَ لَحْنٌ، وَمَسَاوِيَ بِوَزْنِ مَفَاعِلَ جَمْعُ مَفْعَلٍ كَمَسَاكِنَ جَمْعُ مَسْكَنٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ فَقَالَ الزَّوْجُ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ لَا يُسْتَحَبُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ طَالَ الذِّكْرُ الْفَاصِلُ لَمْ يَصِحَّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُسْتَحَبُّ‏)‏ لِلْخَاطِبِ أَوْ نَائِبِهِ ‏(‏تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ‏)‏ بِضَمِّ الْخَاءِ، وَهِيَ الْكَلَامُ الْمُفْتَتَحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَتَمُ بِالْوَصِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ‏}‏ فَيَحْمَدُ اللَّهَ الْخَاطِبُ أَوْ نَائِبُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ ‏(‏قَبْلَ الْخِطْبَةِ‏)‏ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهِيَ الْتِمَاسُ التَّزْوِيجِ كَمَا مَرَّ، فَيَقُولُ عَقِبَ الْخِطْبَةِ‏:‏ جِئْتُ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ فُلَانَةَ، وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ لَسْتَ بِمَرْغُوبٍ عَنْكِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ فِي الْخِطْبَةِ الْجَائِزِ فِيهَا التَّصْرِيحُ أَمَّا الْخِطْبَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا التَّعْرِيضُ، فَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَ‏)‏ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ أُخْرَى ‏(‏قَبْلَ الْعَقْدِ‏)‏ وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأُولَى، وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا قَالَ‏:‏ ‏{‏إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْطُبَ لِحَاجَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَقُلْ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏رَقِيبًا‏}‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَظِيمًا‏}‏‏}‏ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْخُطْبَةُ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ، وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا‏:‏ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ، لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ، وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ، فَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنْ يَخْطِبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ عَلَى صَدَاقِ كَذَا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ‏)‏ وَأَوْجَبَ كَأَنْ قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكَ إلَخْ ‏(‏فَقَالَ الزَّوْجُ‏)‏ قَبْلَ الْقَبُولِ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُ‏)‏ نِكَاحَهَا إلَخْ ‏(‏صَحَّ النِّكَاحُ‏)‏ مَعَ تَخَلُّلِ الْخُطْبَةِ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّ الْمُتَخَلَّلَ مِنْ مَصَالِحِ الْعَقْدِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ كَالْإِقَامَةِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْفَاصِلَ لَيْسَ مِنْ الْعَقْدِ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ إنَّهُ أَقْوَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَذْفِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ مُوَافِقٌ لِتَصْوِيرِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْمَسْأَلَةَ بِذَلِكَ لَكِنَّهُمَا بَعْدَ هَذَا ذَكَرَا اسْتِحْبَابَهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنَّمَا حَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَدْخُولَ قَبِلْتُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى ‏(‏بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ‏)‏ الذِّكْرُ بَيْنَهُمَا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الصَّحِيحُ‏)‏ وَصَحَّحَهُ فِي الْأَذْكَارِ أَيْضًا ‏(‏لَا يُسْتَحَبُّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَوْقِيفٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ بِهِ، وَتَابَعَ فِي الرَّوْضَةِ الرَّافِعِيَّ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَجَعَلَا فِي النِّكَاحِ أَرْبَعَ خُطَبٍ‏:‏ خُطْبَةٌ مِنْ الْخَاطِبِ، وَأُخْرَى مِنْ الْمُجِيبِ لِلْخِطْبَةِ، وَخُطْبَتَيْنِ لِلْعَقْدِ، وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَأُخْرَى قَبْلَ الْقَبُولِ، فَمَا صَحَّحَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَإِنَّ حَاصِلَ مَا فِيهِمَا وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ وَنَقَلَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ‏:‏ اسْتِحْبَابُهُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُبْطِلُ خَارِجٌ عَنْهُمَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يَبْطُلُ فَضْلًا عَنْ ضَعْفِ الْخِلَافِ، وَمَتَى قِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ اتَّجَهَ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ، وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ، وَفِي كَلَامِ السُّبْكِيّ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْبُطْلَانُ عَلَى مَا إذَا طَالَ كَمَا قَالَ ‏(‏فَإِنْ طَالَ‏)‏ عُرْفَا ‏(‏الذِّكْرُ الْفَاصِلُ‏)‏ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِحَيْثُ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ‏)‏ النِّكَاحُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ، لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِالْمُعْتَمَدِ بَدَلَ الصَّحِيحِ كَانَ أَوْلَى‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ الذِّكْرُ مُقَدِّمَةَ الْقَبُولِ وَجَبَ أَنْ لَا تَضُرَّ إطَالَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ‏.‏ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَبُولِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ لَا مَا زَادَ، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الطُّولَ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِقَدْرِ لَوْ كَانَا سَاكِتَيْنِ فِيهِ لِخُرُوجِ الْجَوَابِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا ا هـ‏.‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يُضْبَطَ بِالْعُرْفِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ الذِّكْرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ كَلَامِ أَجْنَبِيٌّ يُبْطِلُ وَلَوْ يَسِيرًا وَهُوَ الْأَصَحُّ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِيهِ الْيَسِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى حَلِّ الْعِصْمَةِ، وَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي عَقْدِهَا‏.‏ قِيلَ‏:‏ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ مِنْ الْقَائِلِ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَوَابُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ، وَاقْتَضَى إيرَادُهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ، لَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

يُسَنُّ لِلْوَلِيِّ عَرْضُ مُوَلِّيَتِهِ عَلَى ذَوِي الصَّلَاحِ كَمَا فَعَلَ شُعَيْبٌ بِمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ السُّنَّةَ وَالصِّيَانَةَ لِدِينِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنْ يُدْعَى لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَبِالْجَمْعِ بِخَيْرٍ فَيُقَالُ‏:‏ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ الِالْتِئَامُ وَالِاتِّفَاقُ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ رَفَأْتُ الثَّوْبَ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنْ يُقَدِّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الْعَقْدِ أُزَوِّجُكَ هَذِهِ أَوْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ شَرَطَهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَمْ يُبْطِلْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمَوْعِظَةُ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالشَّرْعِ‏.‏ وَيُسَنُّ لِلزَّوْجِ أَوَّلَ مَا يَلْقَى زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ‏:‏ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، وَفِي الْإِحْيَاءِ‏:‏ يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ، وَالْأَخِيرَةِ مِنْهُ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْهُ فَيُقَالُ‏:‏ إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ الْجِمَاعَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي‏:‏ وَيُقَالُ‏:‏ إنَّهُ يُجَامِعُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِذَا قَضَى وَطَرُهُ فَلْيُمْهِلْ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَ وَطَرَهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَفِي الْوَطْءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَجْرَانِ‏.‏ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْجِمَاعَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا‏]‏

المتن‏:‏

إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ، وَهُوَ زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك، وَقَبُولٌ‏:‏ بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا، وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ‏:‏ صِيغَةٌ، وَزَوْجَةٌ، وَشَاهِدَانِ، وَزَوْجٌ، وَوَلِيٌّ، وَهُمَا الْعَاقِدَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ، وَهُوَ‏)‏ قَوْلُ الْوَلِيِّ ‏(‏زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك‏)‏ ابْنَتِي مَثَلًا إلَخْ ‏(‏وَقَبُولٌ‏)‏ وَهُوَ ‏(‏بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُ‏)‏ هَا ‏(‏أَوْ نَكَحْتُ‏)‏ هَا إلَخْ، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَفْعُولُ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا‏)‏ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ أَيْ قَبِلْتُ إنْكَاحَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ، وَصَحَّ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ قَبُولًا لِقَوْلِ الْوَلِيِّ أَنْكَحْتُكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَبِلْتُ ‏(‏تَزْوِيجَهَا‏)‏ أَوْ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ‏.‏ أَمَّا اعْتِبَارُ أَصْلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَبِالِاتِّفَاقِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ‏.‏ وَأَمَّا هَذَا اللَّفْظُ فَلِمَا سَيَأْتِي، وَرَضِيتُ نِكَاحَهَا كَقَبِلْتُ نِكَاحَهَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ، وَمِثْلُهُ أَرَدْتُ أَوْ أَحْبَبْتُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ يَدُلُّ لِقَوْلِ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الْبُوَيْطِيِّ‏:‏ وَمَتَى تَزَوَّجَ بِغَيْرِ اسْمِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ‏:‏ قَدْ قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا حَتَّى يَقُولَ‏:‏ قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ وَكَزَوَّجْتُك زَوَّجْتُ لَكَ أَوْ إلَيْكَ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَمِثْلُ ذَلِكَ جَوَّزْتُكَ وَنَحْوُهُ، أَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ هَمْزَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ قَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ، أَوْ قَبِلْتُهَا فَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ الصِّحَّةُ فِي قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ، وَالْبُطْلَانُ فِي قَبِلْتُهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُشْتَرَطُ تَوَافُقُ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ فِي اللَّفْظِ، فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ الزَّوْجُ‏:‏ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا صَحَّ، وَبِهَذَا يَتِمُّ صَحَّ كَوْنُ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ الزَّوْجِ‏:‏ تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ لَيْسَ قَبُولًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ إذَا ضُمَّ إلَى ذَلِكَ الضَّمِيرُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَتَقَدَّمَ الِاعْتِذَارُ عَنْهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْقَبُولِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ اشْتِرَاطَ التَّخَاطُبِ لَكِنْ قَالَا‏:‏ لَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ لِلْوَلِيِّ‏:‏ زَوَّجْتَ ابْنَتَكَ فُلَانًا فَقَالَ‏:‏ زَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ‏:‏ قَبِلْتَ نِكَاحَهَا فَقَالَ‏:‏ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ‏:‏ زَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى زَوَّجْتُهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَهَذَا اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فَقَطْ‏.‏ وَأَمَّا الْمُسَمَّى فَلَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا صَرَّحَ الزَّوْجُ بِهِ فِي لَفْظِهِ فَيَقُولُ‏:‏ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا عَلَى هَذَا الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَهَذَا حِيلَةٌ فِيمَنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا وَلِيُّهَا إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْقَبُولَ فِيهِ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِيجَابِ فَإِنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ فِيهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ بِلَا صَدَاقٍ، بَلْ مَعَ نَفْيِهِ، وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْجُزْءِ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ كَزَوَّجْتُكَ نِصْفَ ابْنَتِي، قَالَهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ زَوَّجَكَ اللَّهُ بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَا يَقْتَضِي صَرَاحَتَهَا‏.‏ وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ أَيْضًا إصْرَارُ الْعَاقِدِ وَبَقَاؤُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ حَتَّى يُوجَدَ الْقَبُولُ، فَإِنْ أَوْجَبَ الْوَلِيُّ ثُمَّ رَجَعَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ رَجَعَتْ الْآذِنَةُ عَنْ إذْنِهَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا، أَوْ جُنَّتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ امْتَنَعَ الْقَبُولُ وَكَوْنُ الْقَبُولِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَفْظِ الْإِيجَابِ أَيْ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِحِلِّ الْمَنْكُوحَةِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ‏:‏ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُمَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً مِنْ رَضَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ‏(‏وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى لَفْظِ الْوَلِيِّ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَيَقُولُ الزَّوْجُ‏:‏ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، أَوْ تَزَوَّجْتُ ابْنَتَكَ، أَوْ أُنْكِحْتُهَا فَيَقُولُ الْوَلِيُّ‏:‏ زَوَّجْتُكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَقَدُّمَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوَّلًا‏:‏ قَبِلْتُ نِكَاحَ فُلَانَةَ لِفُلَانٍ، فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ‏:‏ زَوَّجْتُهَا فُلَانًا جَازَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ عَقْدُ النِّكَاحِ ‏(‏إلَّا بِلَفْظِ‏)‏ مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِ ‏(‏التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ‏)‏ دُونَ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِمَا كَالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏{‏اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ التَّزْوِيجُ أَوْ الْإِنْكَاحُ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُمَا فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهُمَا تَعَبُّدًا وَاحْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزَعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ وَالْأَذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ، وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ امْرَأَةً، فَقَالَ‏:‏ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏ فَقِيلَ‏:‏ وَهْمٌ مِنْ الرَّاوِي، أَوْ إنَّ الرَّاوِيَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ تَرَادُفَهُمَا، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ‏:‏ زَوَّجْتُكَهَا‏.‏ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏خَالِصَةً لَكَ‏}‏ جَعَلَ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ‏.‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ إلَخْ لَيْسَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ‏:‏ إنَّمَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِإِيجَابٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي اشْتِرَاطِ الصِّيغَةِ، وَهُنَا فِي تَعْيِينِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكِنَايَةٍ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ قَبِلْتُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ عَقْدُ النِّكَاحِ ‏(‏بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَهِيَ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَحْسَنَ قَائِلُهَا الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْجَازٌ فَاكْتُفِيَ بِتَرْجَمَتِهِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ إنْ عَجَزَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا فَهِمَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ نَفْسِهِ وَكَلَامَ الْآخَرِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ اللُّغَاتُ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، فَإِنْ فَهِمَهَا ثِقَةٌ دُونَهُمَا فَأَخْبَرَهُمَا بِمَعْنَاهَا فَوَجْهَانِ، رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْمَنْعَ كَمَا فِي الْعَجَمِيِّ الَّذِي ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَعْرِفَهَا إلَّا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِهَا، فَلَوْ أَخْبَرَهُ بِمَعْنَاهُ قَبْلُ صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ‏(‏لَا بِكِنَايَةٍ‏)‏ كَأَحْلَلْتُكَ ابْنَتِي لَا يَصِحُّ بِهَا النِّكَاحُ، إذْ لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏قَطْعًا‏)‏ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ‏:‏ فَاعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ فِي الْمَطْلَبِ حِكَايَةَ خِلَافٍ فِيهِ، وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ بِالصِّيغَةِ‏.‏ أَمَّا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً صَحَّ النِّكَاحُ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الشُّهُودَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ، فَالْكِنَايَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِكِتَابَةٍ فِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورٍ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، فَلَوْ قَالَ لِغَائِبٍ‏:‏ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، أَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُهَا مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ كَتَبَ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَيْ الْخَبَرُ فَقَالَ‏:‏ قَبِلْتُ لَمْ يَصِحَّ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِهَا فَطِنُونَ‏.‏ أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهَا الْفَطِنُونَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ بِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ هُنَا كَمَا مَرَّ، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْكِتَابَةَ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ لَا فِي تَزْوِيجِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ، فَيُوَكِّلُ مَنْ يُزَوِّجُهُ أَوْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ، وَالسَّائِلُ نَظَرَ إلَى مَنْ يُزَوِّجُهُ لَا إلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِهَا ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏زَوَّجْتُكَ‏)‏ إلَخْ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الزَّوْجُ‏:‏ ‏(‏قَبِلْتُ‏)‏ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ‏(‏لَمْ يَنْعَقِدْ‏)‏ هَذَا النِّكَاحُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْرِيحُ بِوَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَنِيَّتُهُ لَا تُفِيدُ، وَفِي قَوْلٍ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ كَالْمُعَادِ لَفْظًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ، وَفَارَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَبُولَ وَإِنْ انْصَرَفَ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَاتِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ‏:‏ بِالْمَنْعِ قَطْعًا، وَقِيلَ‏:‏ بِالصِّحَّةِ قَطْعًا

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُكَ أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجْهَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُ صَحَّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ ‏(‏زَوِّجْنِي‏)‏ بِنْتَك إلَخْ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الْوَلِيُّ لَهُ ‏(‏زَوَّجْتُكَ‏)‏ إلَخْ ‏(‏أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏)‏ لِلْخَاطِبِ ‏(‏تَزَوَّجْهَا‏)‏ أَيْ بِنْتِي إلَخْ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الْخَاطِبُ ‏(‏تَزَوَّجْتُ‏)‏ إلَخْ ‏(‏صَحَّ‏)‏ النِّكَاحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ‏:‏ زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ‏}‏، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ‏:‏ زَوَّجْتنِي ابْنَتَكَ أَوْ تُزَوِّجْنِيهَا أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ أَتَتَزَوَّجُ ابْنَتِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ‏:‏ زَوَّجْتُ نَفْسِي ابْنَتَك وَقَبِلَ الْوَلِيُّ، فَفِي انْعِقَادِهِ بِهَذَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ الْمَهْرُ لَا نَفْسُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا مَعَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ زَوَّجْتُ إنَّمَا يَلِيقُ بِالْوَلِيِّ لَا بِالزَّوْجِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَلَوْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَقَالَ إنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلُقَتْ وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّكَاحِ مُنْجَزًا، وَحِينَئِذٍ ‏(‏لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ‏)‏ كَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ بَاقِي الْمُعَاوَضَاتِ، بَلْ أَوْلَى لِمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - صَحَّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ ‏(‏وَلَوْ بُشِّرَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏بِوَلَدٍ فَقَالَ‏)‏ لِآخَرَ ‏(‏إنْ كَانَتْ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا‏)‏ إلَخْ فَقَبِلَ ‏(‏أَوْ قَالَ‏)‏ لَهُ ‏(‏إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلَقَتْ‏)‏ أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا‏)‏ وَكَانَتْ أَذِنَتْ لِأَبِيهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ قَالَ‏:‏ إنْ وَرِثْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا ‏(‏فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ‏)‏ أَيْ النِّكَاحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِوُجُودِ صُورَةِ التَّعْلِيقِ وَفَسَادِ الصِّيغَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُتَصَوَّرُ الْإِذْنُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِي الْبِكْرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَاعْتَدَّتْ‏.‏ ‏.‏ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِهِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ فِي الدُّبُرِ أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، وَفِي الْمَجْنُونَةِ أَوْ فِي الْعَاقِلَةِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ إنْ طَلَقَتْ وَاعْتَدَّتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا أَشَارَ إلَى صِحَّةِ هَذَا الْإِذْنِ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ هُنَا يُفْهِمُهُ فَمَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ‏:‏ أَذِنْتُ لَكَ فِي تَزْوِيجِهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، لَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ‏:‏ وَاعْتَدَّتْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَصَحَّ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي بِكْرٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ بُشِّرَ بِوَلَدٍ، فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ أُنْثَى إلَخْ عَمَّا لَوْ أُخْبِرَ بِحُدُوثِ بِنْتٍ لَهُ أَوْ بِمَوْتِ إحْدَى نِسَاءِ زَيْدٍ مَثَلًا فَصَدَقَ الْمُخْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِزَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ وَلِغَيْرِهِ فِي الْأُولَى‏:‏ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ كُنْتِ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَكُونُ إنْ بِمَعْنَى إذْ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -‏:‏ ‏{‏وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ قَالَا‏:‏ وَيَجِبُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا تُيُقِّنَ صِدْقُ الْمُخْبِرِ وَإِلَّا فَلَفْظُ إنْ لِلتَّعْلِيقِ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّ كَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا إذَا كَانَ لَيْسَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا فَيَنْعَقِدُ، فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي إنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَالصُّورَةُ أَنَّهَا كَانَتْ غَائِبَةً وَتَحَدَّثَ بِمَرَضِهَا أَوْ ذَكَرَ مَوْتَهَا أَوْ قَتْلَهَا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ يَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا تَوْقِيتُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّكَاحِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ ‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏تَوْقِيتُهُ‏)‏ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، كَشَهْرٍ، أَوْ مَجْهُولَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَكَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ رُخْصَةً لِلْمُضْطَرِّ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، ثُمَّ حُرِّمَ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ رُخِّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ حُرِّمَ أَبَدًا، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ‏:‏ إنَّ الْقِبْلَةَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ أَيْضًا، وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَيْضًا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ‏.‏ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَذْهَبُ إلَى جَوَازِهَا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا وَيَرُدُّ تَجْوِيزَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏كُنْتُ قَدْ أَذِنْتُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَذِهِ النِّسْوَةِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا‏.‏ ‏}‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ بُطْلَانِ النِّكَاحِ مَا إذَا نَكَحَهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ لَا يَضُرُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَ هَذَا حَيَاتَكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إذَا أَقَّتَهُ بِمُدَّةٍ لَا تَبْقَى إلَيْهَا الدُّنْيَا غَالِبًا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ لَا بِمَعَانِيهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يَصِحُّ ‏(‏نِكَاحُ الشِّغَارِ‏)‏ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْمُعْجَمَتَيْنِ، نَحْوُ قَوْلِ الْوَلِيِّ لِلْخَاطِبِ ‏(‏زَوَّجْتُكَهَا‏)‏ أَيْ بِنْتِي مَثَلًا ‏(‏عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيُقْبَلُ‏)‏ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ‏:‏ تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ وَزَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى مَا ذَكَرْتُ، وَتَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْخَبَرِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي، أَوْ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي عَنْهُ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ، وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ امْرَأَةً وَصَدَاقًا لِأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ، وَقِيلَ‏:‏ التَّعْلِيقُ وَقِيلَ‏:‏ الْخُلُوُّ مِنْ الْمَهْرِ، وَعَوَّلَ الْإِمَامُ عَلَى الْخَبَرِ، وَضَعَّفَ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا وَهُوَ أَسْلَمُ‏.‏ وَسُمِّيَ شِغَارًا، إمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ شَغَرَ الْبَلَدُ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، وَقِيلَ‏:‏ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ، وَإِمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ؛ إذْ أَصْلُ الشِّغَارِ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخِرِ‏:‏ لَا تَرْفَعْ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ‏:‏ وَزَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْقَبُولُ بَعْدُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا‏)‏ بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ فَقَبِلَ ‏(‏فَالْأَصَحُّ‏)‏ فِي الْعَقْدَيْنِ ‏(‏الصِّحَّةُ‏)‏ لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ، وَلَكِنْ يُفْسِدُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك وَبُضْعُ ابْنَتِك صَدَاقٌ لِابْنَتِي صَحَّ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الثَّانِي؛ لِجَعْلِ بُضْعِ بِنْتِ الثَّانِي صَدَاقًا لِبِنْتِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بُضْعُ ابْنَتِي صَدَاقٌ لِابْنَتِكَ بَطَلَ الْأَوَّلُ وَصَحَّ الثَّانِي لِمَا عُرِفَ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ‏.‏ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ ‏(‏وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَبُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَلْفٌ صَدَاقُ الْأُخْرَى ‏(‏بَطَلَ‏)‏ عَقْدُ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِوُجُودِ التَّشْرِيكِ الْمَوْجُودِ، وَالثَّانِي‏:‏ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَفْسِيرِ صُورَةِ الشِّغَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْمَهْرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ سَمَّيَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ سَمَّى أَحَدُهُمَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَمِنْ صُوَرِ الشِّغَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لِابْنِ دَاوُد أَنْ يَقُولَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنِي ابْنَتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى، وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ‏:‏ زَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أَمَتِي، وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنَّ بُضْعَكَ صَدَاقٌ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِشَيْخِنَا لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ، لَكِنْ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا، وَيَفْسُدُ الْمُسَمَّى دُونَ النِّكَاحِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي بِمَنْفَعَةِ أَمَتِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُسَمَّى‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ‏:‏ زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِصَدَاقٍ لَهَا هُوَ رَقَبَةُ الْجَارِيَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيكَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّعْوِيضِ فِي الْأُولَى وَفَسَادِ الْمُسَمَّى فِي الثَّانِيَةِ؛ إذْ لَوْ صَحَّ الْمُسَمَّى فِيهَا لَزِمَ صِحَّةُ نِكَاحِ الْأَبِ جَارِيَةَ بِنْتِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ‏.‏ ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ مَثَلًا ابْنَتَهُ وَصَدَاقُ الْبِنْتِ بُضْعُ الْمُطَلَّقَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ التَّزْوِيجُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ زَيْدٌ عَبْدَهُ وَيَكُونُ طَلَاقُهَا عِوَضًا مِنْ عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَلُقَتْ وَنَفَذَ الْعِتْقُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى السَّيِّدِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالسَّيِّدُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ‏.‏ وَالرُّكْنُ الثَّانِي‏:‏ الزَّوْجَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا خُلُوُّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أَوْ زَوَّجْتُ بِنْتِي مَثَلًا أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ، وَلَوْ مَعَ الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الرُّؤْيَةُ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ بِعْتُكَ دَارِي، وَكَانَ رَأَى دَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا صَحَّ كُلٌّ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ، وَلَوْ سَمَّى الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْ غَلِطَ فِي حُدُودِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكِ هَذَا الْغُلَامَ، وَأَشَارَ إلَى الْبِنْتِ الَّتِي يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ كُلٌّ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ‏.‏ أَمَّا فِيمَا لَا إشَارَةَ فِيهِ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبِنْتِيَّةِ وَالدَّارِيَّةِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُمَيَّزَةٌ، فَاعْتُبِرَتْ وَلَغَا الِاسْمُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا‏.‏ وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ إشَارَةٌ فَتَعْوِيلًا عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ اسْمُ بِنْتِهِ الْوَاحِدَةِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ، وَلَمْ يَقُلْ بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِكَثْرَةِ الْفَوَاطِمِ، لَكِنْ لَوْ نَوَاهَا صَحَّ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الْإِشْهَادُ وَالشُّهُودُ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ مُغْتَفَرَةٌ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ اعْتَبَرَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا عِلْمَ الشُّهُودِ بِالْمَنْوِيَّةِ، وَعَلَيْهِ لَا سُؤَالَ، وَلَوْ قَالَ، وَلَهُ ابْنَتَانِ كُبْرَى وَصُغْرَى‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي الْكُبْرَى وَسَمَّاهَا بِاسْمِ الصُّغْرَى صَحَّ فِي الْكُبْرَى اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ اسْمَ وَاحِدَةٍ مِنْ بِنْتَيْهِ وَقَصْدُهُمَا الْأُخْرَى صَحَّ فِيمَا قَصَدَاهَا وَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ، وَفِيهِ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الْمُتَقَدِّمَانِ‏.‏ فَإِنْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي الصَّغِيرَةَ الطَّوِيلَةَ، وَكَانَتْ الطَّوِيلَةُ الْكَبِيرَةَ فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كِلَا الْوَصْفَيْنِ لَازِمٌ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فِي تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْآخَرِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ خَطَبَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ امْرَأَةً وَعَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى خُطُوبَةِ الْآخَرِ وَلَوْ غَلَطًا صَحَّ النِّكَاحَانِ لِقَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ، وَذُكُورَةٌ وَعَدَالَةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ، وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا، وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَبِينُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا فَاسِقَيْنِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِلَّا فَكُلُّهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ النِّكَاحُ ‏(‏إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ‏)‏ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا‏:‏ ‏{‏لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِي اعْتِبَارِهِمَا الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا عَبَّرَ بِالْحُضُورِ لِيُفْهَمَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ حُضُورِهِمَا قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا أَوْ حَضَرَا وَسَمِعَا الْعَقْدَ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا الصَّدَاقَ، وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ ذَكَرَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّ حُضُورَ الشُّهُودِ شَرْطٌ، لَكِنْ تَسَاهَلَ فِي تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا، وَبِالْجُمْلَةِ حُضُورُهُمْ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَنْكِحَةِ، وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِحُضُورِ ‏(‏وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ‏)‏ فَلَا يَنْعَقِدُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَلَوْ عُقِدَ بِحَضْرَةِ مَنْ أَعْتَقَهُ شَخْصٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا‏؟‏‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ‏:‏ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعِتْقِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ الصِّحَّةُ إنْ لَمْ يُبْطِلْ، وَعَدَمُهَا إنْ بَطَلَ‏.‏ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي إنْ كَانَ الشَّاهِدُ خُنْثَى ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ ذَكَرًا أَنَّهُ يَكْفِي ‏(‏وَذُكُورَةٌ‏)‏ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّسَاءِ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ بِخُنْثَيَيْنِ وَلَوْ بَانَا رَجُلَيْنِ، لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ عَقَدَ عَلَى مُشْكِلٍ أَوَّلَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ أُنْثَى فِي الْأَوَّلِ أَوْ ذَكَرًا فِي الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَسِيطِ، وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تَحَقُّقُهُ، بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُكْنٌ، وَالرُّكْنُ يُعْتَبَرُ تَحَقُّقُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ‏.‏ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا لَا يُشْتَرَطُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ رِضَاهَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا شُرِطَ فِيهِ، وَإِذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ كَفَى، وَأَيْضًا الْخُنْثَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا بَانَ رَجُلًا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ عَلَى الْخُنْثَى فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ فِي الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَعَدَالَةٌ‏)‏ وَلَوْ ظَاهِرَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِفَاسِقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا ‏(‏وَسَمْعٌ‏)‏ وَلَوْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ؛ إذْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَوْلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِأَصَمَّ، وَفِيهِ وَجْهٌ ‏(‏وَبَصَرٌ‏)‏ لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ ‏(‏وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ‏)‏ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِحَضْرَتِهِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ مَنْسُوبًا إلَى النَّصِّ أَنْ يُعَبِّرَ بِقَوْلِ‏:‏ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ أُخَرُ، وَهِيَ كَوْنُهُ نَاطِقًا رَشِيدًا ضَابِطًا، وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ عَنْ قُرْبٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ لِلْوِلَايَةِ كَأَبٍ وَأَخٍ مُنْفَرِدٍ وُكِّلَ وَحَضَرَ مَعَ آخَرَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِشَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْ شَهَادَةِ نِكَاحٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ ‏(‏وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ‏)‏ أَيْ النِّكَاحِ ‏(‏بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ‏)‏ أَيْ ابْنَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ ابْنِ أَحَدِهِمَا وَابْنِ الْآخَرِ ‏(‏وَعَدُوَّيْهِمَا‏)‏ أَيْ وَعَدُوَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَدُوِّ أَحَدِهِمَا وَعَدُوِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ هَذَا النِّكَاحِ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالِانْعِقَادِ فِي الْعَدَاوَةِ لِإِمْكَانِ زَوَالِهَا‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ ابْنَيْهِ مَعَ ابْنَيْهَا وَعَدُوَّيْهِ مَعَ عَدُوَّيْهَا بِلَا خِلَافٍ وَالْجَدُّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَالِابْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يَكُونُ الْأَبُ شَاهِدًا لِاخْتِلَافِ دَيْنٍ أَوْ رِقٍّ كَأَنْ تَكُونَ بِنْتُهُ رَقِيقَةً فَيُزَوِّجَهَا سَيِّدُهَا وَحَضَرَ، وَهُوَ بِصِفَةِ الشُّهُودِ أَوْ كَافِرَةً فَزَوَّجَهَا أَخُوهَا مَثَلًا الْكَافِرُ وَحَضَرَهُ الْأَبُ، وَيَنْعَقِدُ بِالْحَوَاشِي كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُمْ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مَثَلًا وَالْعَاقِدُ غَيْرُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ لَا إنْ عَقَدَ بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَهُ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ غَيْرُهُمَا بِوَكَالَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا مَرَّ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَعَدُوَّيْهِمَا بِمَعْنَى أَوْ، وَلِهَذَا حَكَى الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الْعَدُوَّيْنِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَيَجْرِي فِي الِابْنَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ انْعَقَدَ قَطْعًا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ‏(‏وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ‏)‏ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِأَنْ عُرِفَتْ بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ التَّزْكِيَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَجْرِي بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ لَاحْتَاجُوا إلَى مَعْرِفَتِهَا لِيُحْضِرُوا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا فَيَطُولُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَيَشُقُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي انْعِقَادِهِ النِّكَاحَ بِالْمَسْتُورَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ بِهِمَا الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي‏:‏ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْحَاكِمَ كَغَيْرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُعَامَلَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا رَأَى مَالًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا مُنَازِعٍ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَعْتَمِدَ ظَاهِرَ الْيَدِ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ الْحَاكِمُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ طَلَبُ الْحُجَّةِ وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمَسْتُورَيْنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ، وَيُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ فِسْقُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمَسْتُورِ إنَّمَا هِيَ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا بِعَدْلَيْنِ بَاطِنًا، وَيَبْطُلُ السِّتْرُ بِتَفْسِيقِ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ، فَلَوْ أَخْبَرَ بِفِسْقِ الْمَسْتُورِ عَدْلٌ لَمْ يَصِحَّ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ‏:‏ الْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ فَإِنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَمْ يُوجَدَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ إثْبَاتَ الْجُرْحِ بَلْ زَوَالُ ظَنِّ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِخَبَرِ الْعَدْلِ، وَلَوْ تَحَاكَمَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ أَقَرَّا بِنِكَاحٍ عُقِدَ بِمَسْتُورَيْنِ فِي نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَلِمَ الْحَاكِمُ بِفِسْقِ شُهُودِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا، كَذَا قَالَاهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، سَوَاءٌ أَتَرَافَعَا إلَيْهِ أَمْ لَا، وَإِنْ عَلِمَ بِكَوْنِهِمَا مَسْتُورَيْنِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَعْقِدُ بِهِمَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِمَا هُنَا تَابِعٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا تَبَعًا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ، وَلَا يَقْبَلُ الْمَسْتُورَيْنِ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ بَاطِنَهُمَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفِ فِي نُكَتِهِ عَلَى هَذَا، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَإِطْلَاقُ الْمَتْنِ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَذَا أَوْلَى ‏(‏لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ إسْلَامُهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْأَحْرَارُ بِالْأَرِقَّاءِ وَلَا غَالِبَ، أَوْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِ بِهِمَا بَاطِنًا لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْأَهْلِيَّةِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَمْ لَا، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي الْخُنْثَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ ذُكُورَتُهُ الصِّحَّةُ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ لَا تَخْفَى غَالِبًا، وَكَمَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ مَسْتُورُ الْبُلُوغِ كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، إذْ الْأَصْلُ الصِّبَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ الْعَقْدِ صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ ‏(‏وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَبَاطِلٌ‏)‏ أَيْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ كَمَا لَوْ بَانَا كَافِرَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاقِدِ إذْ ذَاكَ حَاكِمًا أَوْ لَا، وَسَيُعِيدُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ يَقُولُ فِيهِ‏:‏ وَمَتَى حُكِمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ‏:‏ وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالسَّتْرِ يَوْمَئِذٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ عِنْدَ الْعَقْدِ عَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ الْفِسْقُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ قِدَمَهُ وَلَا حُدُوثَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَكِنْ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِ هَذَا النِّكَاحِ إلَّا بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَا فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ فِسْقَهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَعَمَّا إذَا تَبَيَّنَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَقْيِيدُهُ بِزَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الِاسْتِبْرَاءُ الْمُعْتَبَرُ ‏(‏وَإِنَّمَا يَبِينُ‏)‏ فِسْقُ الشَّاهِدِ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ‏)‏ تَقُومُ بِهِ حِسْبَةً أَوْ غَيْرَهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَاسِقًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَالتَّجْرِيدِ لَكِنَّهُمَا صَوَّرَاهُ بِالتَّرَافُعِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْهِ فِيهِ كَسَائِرِ الْخِلَافِيَّاتِ‏.‏ قُلْت‏:‏ يُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ الْمُوَافِقُ لِمَا قُيِّدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ ‏(‏أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ‏)‏ عَلَى فِسْقِهِ، سَوَاءٌ أَقَالَا لَمْ نَعْلَمْهُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمْ عَلِمْنَاهُ ثُمَّ نَسِينَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمْ عَلِمْنَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ بِعَدْلَيْنِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمَا بِالصِّحَّةِ بِإِقْرَارِهِمَا ثُمَّ ادَّعَيَا أَنَّهُ عُقِدَ بِفَاسِقَيْنِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِمَا ثَانِيًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْرِيرِ النِّكَاحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ تَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ بِاعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي حَقِّهِمَا، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَوَافَقَا عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ بِهَذَا السَّبَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَاهُ بِلَا مُحَلِّلٍ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ لِلتُّهْمَةِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُمَا وَلَا بَيِّنَتَهُمَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحِسْبَةِ تُقْبَلُ، لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْحِسْبَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، كَأَنْ طَلَّقَ شَخْصٌ زَوْجَتَهُ وَهُوَ يُعَاشِرُهَا أَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ فَلَا تُسْمَعُ، وَهُنَا كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا أَرَادَ نِكَاحًا جَدِيدًا، فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ التَّخَلُّصَ مِنْ الْمَهْرِ، كَأَنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَرَادَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ‏:‏ أَيْ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَنْبَغِي قَبُولُهَا‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ يُقْبَلُ اعْتِرَافُهُمَا فِي حَقِّهِمَا‏.‏ ا هـ‏.‏

وَإِذَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ بِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيلَةً فِي دَفْعِ الْمُحَلِّلِ ‏(‏وَلَا أَثَرَ‏)‏ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا‏)‏ عِنْدَ الْعَقْدِ ‏(‏فَاسِقَيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُمَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ تَفْرِيقِ الزَّوْجَيْنِ فَقَدْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ حَضَرَا عَقْدَ أُخْتِهِمَا وَنَحْوِهَا ثُمَّ قَالَا ذَلِكَ وَمَاتَتْ وَهُمَا وَارِثَاهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُمَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي فَسَادِ الْمُسَمَّى بَعْدَهُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ ‏(‏الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ‏)‏ ذَلِكَ الزَّوْجَةُ ‏(‏فُرِّقَ بَيْنَهُمَا‏)‏ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا تُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ كَإِقْرَارِهِ بِالرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ طَلَاقًا وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَقِيلَ‏:‏ هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ تُنْقِصُهُ كَمَا لَوْ نَكَحَ أَمَةً وَقَالَ‏:‏ نَكَحْتُهَا وَأَنَا وَاجِدٌ طَوْلَ حُرَّةٍ، فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِطَلْقَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي وُقُوعَ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَالْوَجْهُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ‏:‏ الْفَسْخُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ وَتَأْوِيلُ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ إذَا اعْتَرَفَ بِالْفِسْقِ ‏(‏نِصْفُ‏)‏ مَا سَمَّاهُ مِنْ ‏(‏الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ دَخَلَ بِهَا ‏(‏فَكُلُّهُ‏)‏ لِأَنَّ حُكْمَ اعْتِرَافِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَلَا يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ بَعْدَ حَلِفِهَا أَنَّهُ عُقِدَ بِعَدْلَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِالزَّوْجِ عَمَّا لَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ بِالْفِسْقِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ وَهِيَ تُرِيدُ رَفْعَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَضُرُّهَا، فَلَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْءٍ سَقَطَ الْمَهْرُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إلَّا إذَا كَانَتْ مَحْجُورَةً بِسَفَهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْ لِفَسَادِ إقْرَارِهَا فِي الْمَالِ وَالْأَمَةُ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَسُقُوطُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَقْبِضْهُ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

أَيْ لِأَنَّهَا تُقِرُّ لَهُ بِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَبْقَى فِي يَدِهَا وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ نَكَحْتَنِي بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ فَقَالَ‏:‏ بَلْ بِهِمَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْكَارٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ‏)‏ بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهَا كَأَنْ قَالَتْ‏:‏ رَضِيت أَوْ أَذِنْت فِيهِ ‏(‏حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا‏)‏ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ احْتِيَاطًا لِيُؤْمَنَ إنْكَارُهَا ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ الْإِشْهَادُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ وَرِضَاهَا الْكَافِي فِي الْعَقْدِ يَحْصُلُ بِإِذْنِهَا وَبِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا بِإِخْبَارِ وَلِيِّهَا مَعَ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِمَنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا كَتَزْوِيجِ الْأَبِ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي اسْتِحْبَابُهُ صِيَانَةً لِلْعَقْدِ مِنْ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَنْ يَعْتَبِرُ إذْنَهَا مِنْ الْحُكَّامِ فَيُبْطِلَهُ إذَا جَحَدَتْهُ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْحَاكِمَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ إذْنُهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في الزواج بدون ولي‏]‏

المتن‏:‏

لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ، وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ، وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، لَا الْحَدَّ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ، وَهُمَا الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ، أَوْ النَّائِبُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ ‏(‏لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا‏)‏ أَيْ لَا تَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِحَالٍ لَا ‏(‏بِإِذْنٍ‏)‏ وَلَا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ‏}‏ ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ‏}‏ أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى، وَلِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ‏}‏، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ‏:‏ ‏{‏لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا‏}‏ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فَوَلَّتْ مَعَ خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا مُجْتَهِدًا لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّتْ مَعَهُ عَدْلًا صَحَّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْحَاكِمِ، بَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ التَّحْكِيمِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ‏.‏ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ وَمُرَادُ الْمُهِمَّاتِ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ‏.‏ وَأَمَّا الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي الْعَدَالَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ فَشَرْطُهُ السَّفَرُ وَفَقْدُ الْقَاضِي‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ حَاضِرٌ، وَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الصِّحَّةِ إذَا أَمْكَنَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ التَّزْوِيجِ مِنْ حَاكِمِ أَهْلٍ حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا فِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ‏(‏وَلَا‏)‏ تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ ‏(‏غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ‏)‏ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَا بِوِلَايَةٍ، وَلَوْ وَكَّلَ ابْنَتَهُ مَثَلًا أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا فِي نِكَاحِهَا لَا عَنْهَا بَلْ عَنْهُ، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا سَفِيرَةٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْ عَنْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ اُبْتُلِينَا بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إلَّا فِي مِلْكِهَا، أَوْ فِي سَفِيهٍ، أَوْ مَجْنُونٍ هِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ‏)‏ بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ؛ إذْ لَا يَصِحُّ لَهَا فَلَا تَتَعَاطَاهُ لِلْغَيْرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى وَقَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِحَثًا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَقَالَ‏:‏ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا‏.‏ ا هـ‏.‏

نَعَمْ لَوْ زَوَّجَ الْخُنْثَى أُخْتَهُ ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الشَّاهِدِ الصِّحَّةُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَبِهِ جَزَمَ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى ‏(‏وَالْوَطْءُ‏)‏ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ ‏(‏فِي نِكَاحٍ‏)‏ بِشُهُودٍ ‏(‏بِلَا وَلِيٍّ‏)‏ كَتَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا، أَوْ بِوَلِيٍّ بِلَا شُهُودٍ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَلَا بِبُطْلَانِهِ لَا يُوجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ ‏(‏يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ‏)‏ لِفَسَادِ النِّكَاحِ وَلِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيجَابِ الْمَهْرِ مَا إذَا كَانَ النَّاكِحُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَهْرِ يُفْهِمُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مَعَهُ أَرْشُ بَكَارَةٍ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوَطْءُ وَ ‏(‏لَا‏)‏ يُوجِبُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ ‏(‏الْحَدَّ‏)‏ سَوَاءٌ أَصَدَرَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْ الزَّوْجُ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ نِكَاحِهِ لَهَا إلَى مُحَلِّلٍ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِبُطْلَانِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ، فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَامْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ‏.‏ أَمَّا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا وَمَنْ لَا فَلَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ‏)‏ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ ‏(‏ بِالنِّكَاحِ‏)‏ بِعَدْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْهُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ عَلَيْهِ ‏(‏إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ‏)‏ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ كَانَ مُجْبِرًا وَالزَّوْجُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا كَمَا مَرَّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُجْبِرٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِنْشَاءِ إلَّا بِإِذْنِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَدْخُلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ مَا إذَا اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ وَكَانَ عِنْدَ الْإِقْرَارِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا حِينَ كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالْإِنْشَاءِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَصْفُهُ بِذَلِكَ حِينَ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ‏)‏ الْحُرَّةِ وَلَوْ سَفِيهَةً فَاسِقَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ‏(‏بِالنِّكَاحِ‏)‏ مِنْ زَوْجٍ صَدَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ غَيْرَ كُفْءٍ ‏(‏عَلَى الْجَدِيدِ‏)‏ وَإِنْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ إنْ عَيَّنَتْهُمَا، أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ‏:‏ مَا رَضِيتُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ فَثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَلِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَكَذِبِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا الْإِقْرَارَ فَتَقُولُ‏:‏ زَوَّجَنِي مِنْهُ وَلِيِّي بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ وَرِضَائِي إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي إقْرَارِهَا الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَمَا هُنَا فِي إقْرَارِهَا الْمُبْتَدَإِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأَمَةِ، وَمِثْلُهَا الْعَبْدُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَطَرِيقُ حِلِّهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ إنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَعَنْ الْقَدِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ الْغَيْرِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْمُجْبِرُ لِآخَرَ فَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَوْ إقْرَارُهَا أَوْ السَّابِقُ أَوْ يَبْطُلَانِ جَمِيعًا‏؟‏ احْتِمَالَاتٌ لِلْإِمَامِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ، فَإِنْ أَقَرَّا مَعًا فَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا وَحَقِّهَا، وَلَوْ جَهِلَ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ أَوْ يَبْطُلَانِ‏؟‏ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِإِقْرَارِهَا؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا وَشَكَكْنَا فِي الْمُفْسِدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنُقِلَ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَرْجِيحُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا، وَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْعَقْدِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَاسْتِدَامَتُهُ تَنْفَكُّ عَنْ الصَّدَاقِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مُشِيرَةٌ إلَى شَخْصٍ‏:‏ هَذَا زَوْجِي فَسَكَتَ فَمَاتَتْ وَرِثَهَا وَلَوْ مَاتَ هُوَ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ قَالَ هُوَ‏:‏ هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَتْ فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا عَلَى النَّصِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ إلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَسَوَاءٌ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ، وَتُزَوَّجُ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْوِلَايَةِ أَرْبَعَةٌ، السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْأُبُوَّةُ وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ فَقَالَ ‏(‏وَلِلْأَبِ‏)‏ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَهِيَ ‏(‏تَزْوِيجُ‏)‏ ابْنَتِهِ ‏(‏الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً‏)‏ عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ ‏(‏بِغَيْرِ إذْنِهَا‏)‏ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ‏:‏ ‏{‏الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا‏}‏‏.‏ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ‏:‏ ‏{‏وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا‏}‏ حُمِلَتْ عَلَى النَّدْبِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسُ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَحْتَاطُ لِمُوَلِّيَتِهِ لِخَوْفِ الْعَارِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لِتَزْوِيجِ الْأَبِ بِغَيْرِ إذْنِهَا شُرُوطٌ‏.‏ الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا مَرَّ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، الْخَامِسُ‏:‏ أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ‏.‏ السَّادِسُ‏:‏ أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِمَنْ تَتَضَرَّرُ بِمُعَاشَرَتِهِ كَأَعْمَى وَشَيْخٍ هَرِمٍ‏.‏ السَّابِعُ‏:‏ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَمْنَعُهَا لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلَهَا غَرَضٌ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا‏.‏ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَقَطْ‏؟‏ فِيهِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِذَاكَ، فَالْمُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفْئًا وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِ الصَّدَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْيَسَارِ مُعْتَبَرًا فِي الْكَفَاءَةِ كَمَا هُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا تُؤَثِّرُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا‏)‏ أَيْ الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ مُكَلَّفَةً لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَتَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفَةِ فَلَا إذْنَ لَهَا، وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ‏)‏ بَالِغَةٍ وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِهَا‏)‏ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ السَّابِقِ وَخَبَرِ‏:‏ ‏{‏لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهَا عَرَفَتْ مَقْصُودَ النِّكَاحِ فَلَا تُجْبَرُ بِخِلَافِ الْبِكْرِ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ‏)‏ تِلْكَ الثَّيِّبُ ‏(‏صَغِيرَةً‏)‏ غَيْرَ مَجْنُونَةٍ وَغَيْرَ أَمَةٍ ‏(‏لَمْ تُزَوَّجْ‏)‏ سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَمْ لَا ‏(‏حَتَّى تَبْلُغَ‏)‏ لِأَنَّ إذْنَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَامْتَنَعَ تَزْوِيجُهَا إلَى الْبُلُوغِ، أَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلِسَيِّدِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَذَا لِوَلِيِّ السَّيِّدِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ ‏(‏وَالْجَدُّ‏)‏ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ‏(‏كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ‏)‏ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَعُصُوبَةً كَالْأَبِ وَيَزِيدُ الْجَدُّ عَلَيْهِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْأَبِ، وَوَكِيلُ الْأَبِ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ، لَكِنَّ وَكِيلَ الْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَسَوَاءٌ‏)‏ فِي حُصُولِ الثُّيُوبَةِ وَاعْتِبَارِ إذْنِهَا ‏(‏زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ‏)‏ فِي قُبُلِهَا ‏(‏حَلَالٍ‏)‏ كَالنِّكَاحِ ‏(‏أَوْ حَرَامٍ‏)‏ كَالزِّنَا أَوْ بِوَطْءٍ لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَشُبْهَةٍ كَمَا شَمِلَهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا بِحُرْمَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ ‏(‏وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ‏)‏ فِي الْقُبُلِ ‏(‏كَسَقْطَةٍ‏)‏ وَحِدَّةِ طَمْثٍ وَطُولِ تَعْنِيسٍ وَهُوَ الْكِبَرُ أَوْ بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ فَهِيَ عَلَى غَبَاوَتِهَا وَحَيَائِهَا، وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِيمَا ذُكِرَ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِزَوَالِ الْعُذْرَةِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فِي مَحَلِّ الْبَكَارَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْبِكْرَ لَوْ وُطِئَتْ فِي قُبُلِهَا وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا بِأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي التَّحْلِيلِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ خِلَافَهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ بِذَكَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَقِرْدٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ، وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ كَمَا حَكَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتُصَدَّقُ الْمُكَلَّفَةُ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي‏:‏ بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِمَا فِي تَصْدِيقِهَا مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ أَنَّهَا خُلِقَتْ بِدُونِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنْ أَفْتَى الْقَاضِي بِخِلَافِهِ ‏(‏وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَابْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ‏)‏ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ وَإِذْنُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ‏(‏وَتُزَوَّجُ الثَّيِّبُ‏)‏ الْعَاقِلَةُ ‏(‏الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ‏)‏ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَكْفِي سُكُوتُهَا لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَوْ أَذِنَتْ بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ جَازَ عَلَى النَّصِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يَعُدُّونَهُ إذْنًا؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ بَاطِلٌ، وَرُجُوعَهَا عَنْ الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ رُجُوعِهَا وَقَبْلَ عِلْمِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِذْنُ الْخَرْسَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِكَتْبِهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ هَلْ تَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونَةِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا لِأَنَّهَا عَاقِلَةٌ‏؟‏ لَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِكَتْبِ مَنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ ظَاهِرٌ إنْ نَوَتْ بِهِ الْإِذْنَ كَمَا قَالُوا كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالطَّلَاقِ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ‏)‏ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ إذَا اُسْتُؤْذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَإِنْ بَكَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا‏}‏ فَإِنْ بَكَتْ بِصِيَاحٍ أَوْ ضَرْبِ خَدٍّ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ كَمَا فِي الثَّيِّبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمُجْبِرِ، أَمَّا هُوَ فَالسُّكُوتُ كَافٍ قَطْعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إيرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاسْتُؤْذِنَتْ مَا لَوْ زُوِّجَتْ بِحَضْرَتِهَا مَعَ سُكُوتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا وَبِمَنْ كُفْءٌ أَوْ غَيْرُهُ مَا لَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ بِدُونِ الْمَهْرِ أَصْلًا أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي سُكُوتُهَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ كَبَيْعِ مَالِهَا، وَلَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ بِرَجُلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَسَكَتَتْ كَفَى فِيهِ سُكُوتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْإِذْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ أَيَجُوزُ أَنْ أُزَوِّجَكِ أَوْ تَأْذَنِينَ‏.‏ فَقَالَتْ‏:‏ لِمَ لَا يَجُوزُ أَوْ لِمَ لَا آذَنُ كَفَى؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِرِضَاهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ‏:‏ أَتُزَوِّجُنِي لَمْ يَكُنْ اسْتِيجَابًا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجَزْمُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ فَكَفَى فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ جَوَابِهَا، وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ رَضِيتُ بِمَنْ رَضِيَتْ بِهِ أُمِّي أَوْ بِمَنْ اخْتَارَتْهُ أَوْ بِمَا يَفْعَلُهُ أَبِي وَهُمْ فِي ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفَى، لَا إنْ قَالَتْ‏:‏ رَضِيتُ إنْ رَضِيَتْ أُمِّي أَوْ رَضِيتُ بِمَا تَفْعَلُهُ أُمِّي فَلَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْقِدُ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَكَذَا لَا يَكْفِي رَضِيتُ إنْ رَضِيَ أَبِي إلَّا أَنْ تُرِيدَ رَضِيتُ بِمَا يَفْعَلُهُ فَيَكْفِي وَلَوْ أَذِنَتْ بِكْرٌ فِي تَزْوِيجِهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اُسْتُؤْذِنَتْ كَذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَكَتَتْ كَانَ إذْنًا إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏

المتن‏:‏

وَالْمُعْتِقُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الْعِتْقُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَالْمُعْتِقُ‏)‏ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ فَيَشْمَلُ عَصَبَتَهُ وَهُوَ السَّبَبُ الثَّالِثُ لَا مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَقَطْ‏.‏

المتن‏:‏

وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ السُّلْطَانُ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ وَالْمُعْتِقَ وَعَصَبَتَهُ ‏(‏وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ‏)‏ فِيمَا ذَكَرَ قَبْلَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ أَبٌ ثُمَّ جَدٌّ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمٌّ ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالْإِرْثِ، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتِقًا أَوْ قَاضِيًا زَوَّجَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، كَالْإِرْثِ، وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ وَالْمُعْتِقُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ‏)‏ بِالتَّزْوِيجِ ‏(‏أَبٌ‏)‏ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُرَادُهُ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَالسُّلْطَانُ وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ لَا يُدْلُونَ بِهِ ‏(‏ثُمَّ جَدٌّ‏)‏ أَبُو أَبٍ ‏(‏ثُمَّ أَبُوهُ‏)‏ وَإِنْ عَلَا لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ ‏(‏ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ‏)‏ لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْأَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِهِ ‏(‏ثُمَّ ابْنُهُ‏)‏ أَيْ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏وَإِنْ سَفَلَ‏)‏ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ ‏(‏ثُمَّ عَمٌّ‏)‏ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ سَفَلَ ‏(‏ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ‏)‏ مِنْ الْقَرَابَةِ أَيْ بَاقِيهِمْ ‏(‏كَالْإِرْثِ‏)‏ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِيهِمَا وَاحِدٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ كَالْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ هُنَا وَالْجَدُّ فِي الْإِرْثِ يُشَارِكُ الْأَخَ وَهُنَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالشَّقِيقُ فِي الْإِرْثِ يُقَدَّمُ قَطْعًا عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَهُنَا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ‏)‏ وَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى عَمٍّ لِأَبٍ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ الْجَدِيدِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَابَ الشَّقِيقُ لَمْ يُزَوِّجْ الَّذِي لِأَبٍ بَلْ السُّلْطَانُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هُمَا وَلِيَّانِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا بِخِلَافِ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا عَمَّانِ أَحَدُهُمَا خَالٌ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يُفِيدُ لَا يُرَجِّحُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَمَّ لِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ فِي الْإِرْثِ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ يُقَدَّمُ مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ لَشَمِلَ مَا أَدْخَلْتُهُ فِي كَلَامِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ لَكِنَّهُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا، فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ‏.‏ وَالْأَوَّلُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ‏.‏ أَحَدُهُمَا ابْنُهَا‏.‏ وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنْ الْأُمِّ، فَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا‏:‏ مُعْتِقٌ قُدِّمَ الْمُعْتِقُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا خَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ كُلِّ مَنْ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ حَقِيقَةً لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ ‏(‏وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ‏)‏ أُمَّهُ وَإِنْ عَلَتْ ‏(‏بِبُنُوَّةٍ‏)‏ مَحْضَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النَّسَبِ؛ إذْ انْتِسَابُهَا إلَى أَبِيهَا، وَانْتِسَابُ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ‏.‏ قَالَ لِابْنِهَا عُمَرَ‏:‏ قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ ‏"‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّ نِكَاحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ اسْتِطَابَةً لِخَاطِرِهِ‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَزَوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَقِيلَ‏:‏ كَانَ سِنُّ عُمَرَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ‏.‏ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَكَانَ حِينَئِذٍ طِفْلًا فَكَيْفَ يُزَوِّجُ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ أَنَّهُ زَوَّجَ وَهُوَ بَالِغٌ فَيَكُونُ بِبُنُوَّةِ الْعَمِّ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ‏)‏ لَهَا أَوْ ذَا قَرَابَةٍ أُخْرَى مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحِ مَجُوسٍ كَمَا إذَا كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ أَخِيهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا ‏(‏أَوْ مُعْتِقًا‏)‏ لَهَا أَوْ غَاصِبَ مُعْتِقٍ لَهَا ‏(‏أَوْ قَاضِيًا‏)‏ أَوْ مُحَكِّمًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ وَلِيِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏زَوَّجَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا ذَكَرَ فَلَا تَضُرُّهُ الْبُنُوَّةُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ، فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرَ يَقْتَضِي الْوِلَايَةَ لَمْ تَمْنَعْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَمِّهَا ابْنَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَبِنِكَاحِ الْمَجُوسِ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا بِأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا، وَيَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ فَيُزَوِّجُهَا بِالْمِلْكِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ‏)‏ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ رَجُلٌ ‏(‏نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ‏)‏ الرَّجُلُ ‏(‏ثُمَّ عَصَبَتُهُ‏)‏ بِحَقِّ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقِ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً وَالتَّرْتِيبُ هَذَا ‏(‏كَالْإِرْثِ‏)‏ فِي تَرْتِيبِهِ وَمَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ‏:‏ ‏{‏الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ‏}‏ وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ أَخْرَجَهَا مِنْ الرِّقِّ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَأَشْبَهَ الْأَبَ فِي إخْرَاجِهِ لَهَا إلَى الْوُجُودِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ مَسَائِلُ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ جَدِّهِ، وَفِي النَّسَبِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ‏.‏ الثَّانِيَةِ‏:‏ أَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ يُزَوِّجُ وَيُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ التَّعْصِيبَ لَهُ، وَفِي النَّسَبِ لَا يُزَوِّجُهَا ابْنُهَا بِالْبُنُوَّةِ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ وَالِدِهِ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ الْعَمُّ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِخِلَافِ النَّسَبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ الْمُعْتِقُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَلَوْ تَزَوَّجَ عَتِيقٌ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ وَأَتَتْ بِابْنَةٍ لَا يُزَوِّجُهَا مَوَالِي الْأَبِ، وَكَلَامُ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ التَّزْوِيجُ لِمَوَالِي الْأَبِ، ثُمَّ أَشَارَ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ضَابِطِ مَنْ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ‏)‏ إذَا فُقِدَ وَلِيُّ الْعَتِيقَةِ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ ‏(‏مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتِقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً‏)‏ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُعْتِقَةِ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَرْتِيبِهِمْ بِرِضَا الْعَتِيقَةِ، وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةَ كَافِرَةً وَالْمُعْتِقَةُ مُسْلِمَةً وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُعْتِقَةُ وَوَلِيُّهَا كَافِرَيْنِ وَالْعَتِيقَةُ مُسْلِمَةً أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ فَلَوْ قَالَ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي حَالِ مَوْتِهَا لَاسْتَقَامَ، وَلَكِنْ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ الْآتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ ‏(‏وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا إجْبَارَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا وَالْعَصَبَةُ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِدْلَائِهِمْ بِهَا فَلَا أَقَلَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حُكْمُ أَمَةِ الْمَرْأَةِ حُكْمُ عَتِيقَتِهَا فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ السَّيِّدَةُ كَامِلَةً اُشْتُرِطَ إذْنُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا إذْ لَا تَسْتَحِي، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا امْتَنَعَ عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ، وَلَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ جَارِيَةً ثُمَّ أَعْتَقَتْ هَذِهِ الْعَتِيقَةُ جَارِيَةً وَلَلْمُعْتَقَةِ ابْنٌ فَوَلَاءُ الثَّانِيَةِ لِمُعْتِقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْوَلِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ ‏(‏فَإِذَا مَاتَتْ‏)‏ أَيْ الْمُعْتِقَةُ ‏(‏زَوَّجَ‏)‏ الْعَتِيقَةَ ‏(‏مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ‏)‏ عَلَى الْمُعْتِقَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، إذْ تَبَعِيَّةُ الْوَلَاءِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا اثْنَانِ اُعْتُبِرَ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلَانِ، أَوْ يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، أَوْ يُبَاشِرَانِ مَعًا وَيُزَوِّجُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ مَعَ السُّلْطَانِ وَإِنْ مَاتَا اُشْتُرِطَ فِي تَزْوِيجِهَا اثْنَانِ مِنْ عَصَبَتِهِمَا، وَاحِدٌ مِنْ عَصَبَةِ أَحَدِهِمَا، وَآخَرُ مِنْ عَصَبَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَفَى مُوَافَقَةُ أَحَدِ عَصَبَتِهِ لِلْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ اسْتَقَلَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ فِي دَرَجَةٍ كَبَنِينَ وَإِخْوَةٍ كَانُوا كَالْإِخْوَةِ فِي النَّسَبِ، فَإِذَا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَاهَا صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْآخَرِينَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ عَتِيقَتَهُ أَبَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ بِتَرْتِيبِهِمْ لَكِنْ بِإِذْنِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَيَكُونُ قَدْ زَوَّجَهَا وَكِيلُهُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَوَلِيُّهَا بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِمَا وُجُوبُ إذْنِهِ‏.‏ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَالْخُنْثَى كَالْمَفْقُودِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِهِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ‏:‏ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهُ بِإِذْنِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَحْوَطُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَ السُّلْطَانُ، وَلَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى فَبَانَ ذَكَرًا صَحَّ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُبَعَّضَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْمَالِكُ مَعَ وَلِيِّهَا الْقَرِيبِ ثُمَّ مَعَ مُعْتِقِ الْبَعْضِ، ثُمَّ مَعَ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ مَعَ السُّلْطَانِ‏.‏ وَأَمَّا أَمَةُ السَّيِّدَةِ الْمُبَعَّضَةِ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمُبَعَّضَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا حُرَّةً بِإِذْنِهَا ‏(‏فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ‏)‏ الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِخَبَرِ‏:‏ ‏{‏السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ‏}‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ‏.‏ وَقَالَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ‏.‏ وَقَالَ الْغَزِّيُّ‏:‏ وَالْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَقِيَاسُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُؤَثِّرًا فِي جَوَازِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ وَالْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ‏(‏وَكَذَا يُزَوِّجُ‏)‏ السُّلْطَانُ ‏(‏إذَا عَضَلَ‏)‏ النَّسِيبُ ‏(‏الْقَرِيبُ‏)‏ وَلَوْ مُجْبِرًا، أَيْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا هُوَ ‏(‏وَالْمُعْتِقُ‏)‏ وَعَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ جَزْمًا، وَهَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ‏.‏ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِلَّا فَلَا يُفَسَّقُ بِذَلِكَ، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَاهُ هُنَا بِالْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الْأَنْكِحَةُ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الْحَاكِمِ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ‏؟‏‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُطَّةِ حَاكِمٌ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ كَمَا زِدْتُهُ، وَهَلْ السُّلْطَانُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ‏؟‏ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَلِيُّهَا إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَرَ أَوْ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَلَا، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِالْأَوَّلِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ، وَهَذَا أَوْجَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ عَلَى صُورَتَيْنِ وَذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوٍ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةُ وَالْبَالِغَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ‏:‏ وَتُزَوِّجُ الْحُكَّامُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ وَكَذَاكَ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ وَكَذَاكَ إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ فَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ عِنْدَ إغْمَاءِ الْوَلِيِّ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ‏(‏وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ‏)‏ مِنْ الْوَلِيِّ ‏(‏إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ‏)‏ رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً ‏(‏إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ‏)‏ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ، فَإِنْ دَعَتْهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَعَتْ إلَى عِنِّينٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بِالْبَاءِ لَزِمَهُ إجَابَتُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ كَانَ عَاضِلًا، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَعَتْهُ إلَى أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ نِكَاحِهَا فِي تَزْوِيجِ التَّحْلِيلِ، فَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ أَوْ لِقُوَّةِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَفِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِامْتِنَاعِهِ لَا يُعَدُّ عَاضِلًا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ‏:‏ لَوْ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِرَجُلٍ وَادَّعَتْ كَفَاءَتَهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ رُفِعَ لِلْقَاضِي، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَضْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُزَوِّجَ بِأَنْ يُحْضِرَ الْوَلِيَّ وَالْخَاطِبَ وَالْمَرْأَةَ فَيَأْمُرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالتَّزْوِيجِ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ أَوْ يَسْكُتُ أَوْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِتَوَارٍ أَوْ تَعَزُّزٍ أَوْ غَيْبَةٍ لَا يُزَوِّجُ فِيهَا الْقَاضِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إذَا ظَهَرَتْ حَاجَةُ الْمَجْنُونَةِ إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهَا كَانَ عَاضِلًا فَتَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفُ الْعَضْل فِيمَا ذَكَرَهُ ‏(‏وَلَوْ عَيَّنَتْ‏)‏ مُجْبَرَةٌ ‏(‏كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ‏)‏ أَوْ الْجَدُّ الْمُجْبِرُ كُفْئًا ‏(‏غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ إجَابَتُهَا إعْفَافًا لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَنْ عَيَّنَتْهُ جَزْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ تَزْوِيجِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ عَيَّنَتْ كُفْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَزَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ آخَرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْكِفَايَةِ‏.‏